فصل: النوع الثاني من البيعات: بيعات الملوك:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا (نسخة منقحة)



.النوع الثاني من البيعات: بيعات الملوك:

واعلم أن المقر الشهابي بن فضل الله قد ذكر في التعريف أن من قام من الملوك بغير عهد ممن قبله لم تجر العادة بأن تكتب لهم مبايعةٌ، وكأنه يريد اصطلاح بلاد المشرق والديار المصرية، أما بلاد المغرب فقد جرت عادة مصطلحهم بكتابة البيعات لملوكهم، وذلك أنه ليس عندهم خليفةٌ يدينون له، يتقلدون الملك بالعهد منه، بل جلهم أو كلهم يدعي الخلافة فهم يكتبون البيعات لهذا المعنى.
وهذه نسخة بيعةٍ من هذا النوع، كتب بها للسلطان أبي عبد الله محمد ابن السلطان أبي الحجاج بن نصر بن الأحمر الأنصاري، صاحب حمراء غرناطة من الأندلس، مفتتحة بخطبة على قاعدتهم في بيعات الخلفاء على ما تقدم ذكره، وربما تكرر الحمد فيها دلالةً على عظم النعمة، من إنشاء الوزير أبي عبد الله محمد بن الخطيب صاحب ديوان إنشائه، على ما رأيته في ديوان ترسله، وهي:
الحمد لله الذي جل شاناً، وعز سلطاناً، وأقام على ربوبيته الواجبة في كل شيء خلقه برهاناً، الواجب الوجود ضرورةً إذ كان وجود ما سواه إمكاناً، الحي القيوم حياةً أبدية سرمدية منزهة عن الابتداء والانتهاء فلا تعرف وقتاً ولا تستدعي زماناً، العليم الذي يعلم السر وأخفى فلا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء إلا أحاط بها علماً وأدركها عياناً، القدير الذي ألقت الموجودات كلها إلى عظمته يد الخضوع استسلاماً له وإذعاناً، المريد الذي بمشيئته تصريف الأقدار، واختلاف الليل والنهار، فإن منع منع عدلاً وإن منح منح إحساناً، شهد تداول الملوك بدوام ملكه، ودل حدوث ما سواه على قدمه، وأثنت ألسنة الحي والجماد على مواهبه وقسمه، وفاض على عوالم السماء والأرض بحر جوده العميم النوال من قبل السؤال وكرمه، وإن من شيء إلا يسبح بحمده ويثني على نعمة سراً وإعلاناً، فهو الله الذي لا إله إلا هو، ليس في الوجود إلا فعله، ألا له الخلق والأمر وإليه يرجع الأمر كله، وسع الأكوان على تباينها فضله، وقدر المواهب والمقاسم عدله، منعاً ومنحاً وزيادةً ونقصاناً.
والحمد لله الذي بيده الاختراع والإنشاء، مالك الملك يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، سبق في مكنون غيبه القضاء، وخفيت عن خلقه الأسباب وعميت عليهم الأنباء، وعجزت عقولهم أن تدرك منها كنهاً أو تكشف منها بياناً.
والحمد لله الذي رفع قبة السماء ما اتخذ لها عماداً، وجعل الأرض فراشاً ومهاداً، وخلق الجبال الراسية أوتاداً، ورتب أوضاعها أجناساً متفاضلة، وأنواعاً متباينةً متقابلة، فحيواناً ونباتاً وجماداً، وأقام فيها على حكمة الإبداع دلائل باهرة الشعاع وأشهاداً، وجعل الليل والنهار خلفةً والشمس والقمر حسباناً، وقدر السياسة سياجاً لعالم الإنسان يضم منه ما انتشر، ويطوي من تعديه ما نشر، ويحمله على الآداب التي ترشده إذا ضل وتقيمه إذا عثر، وتجبره على أن يلتزم السنن ويتبع الأثر، لطفاً منه شمل البشر وحناناً.
ولما عمر الأرض بهذا الجنس الذي فضله وشرفه، ووهب له العقل الذي تفكر به في حكمته حتى عرفه، وبما يجب لربوبيته الواجبة وصفه، جعلهم درجاتٍ بعضها فوق بعض فقراً وغنىً وطاعةً وعصياناً، واختار منهم سفرة الوحي وحملة الآيات، وأرسل فيهم الرسل بالمعجزات، وعرفهم بما كلفهم من الأعمال المفترضات: {لِيَجْزِيَ الَّذِين أسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا ويَجْزِيَ الَّذينَ أحْسَنُوا بالْحُسْنى}. يوم اعتبار الأعمال واعتبار الحسنات، ونصب العدل والمجازاة في يوم العرض عليه قسطاساً وميزاناً.
نحمده وله الحمد في الأولى والآخرة، ونثني على مواهبه الجمة وآلائه الوافرة، ونمد يد الضراعة، في موقف الرجاء والطماعة، إلى المزيد من مننه الهأمية الهامرة، ونسأله دوام ألطافه الخافية وعصمه الظاهرة، واتصال نعمه التي لا نزال نتعرفها مثنى ووحداناً، ونشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له. شهادةً نجدها في المعاد عدةً واقية، ووسيلةً للأعمال الصالحة إليه راقية، وذخيرةً صالحةً باقية، ونوراً يسعى بين أيدينا ويكون على الرضا والقبول فينا عنوناً. ونشهد أن سيدنا ومولانا محمداً النبي العربي القرشي الهاشمي عبده ورسوله الذي اصطفاه واختاره، ورفع بين النبيين والمرسلين مقداره، وطهر قلبه وقدس أسراره، وبلغه من رضاه اختياره، وأعطاه لواء الشفاعة يقفو آدم ومن بعده من الأنبياء الكرام آثاره، وجعله أقرب الرسل مكانةً وأرفعهم مكاناً. رسول الرحمة، ونور الظلمة، وإمام الرسل الأئمة، الذي جمع له بين مزية السبق ومزية التتمة، وجعل طاعته من العذاب المقيم أماناً، صاحب الشفاعة التي تؤمل، والوسيلة التي إلى الله بها يتوسل، والدرجة التي لم يؤتها الملك المقرب ولا النبي المرسل، والرتبة التي لم يعطها الله سواه إنساناً. انتخبه من أشرف العرب أماً وأباً، وأزكى البرية طينةً وأرفعها نسباً، وابتعثه إلى كافة الخلق عجماً وعرباً، وملأ بنور دعوته البسيطة جنوباً وشمالاً ومشرقاً ومغرباً، وأنزل عليه كتابة الذي آمنت به الجن لما سمعته، وقالوا: {إنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً}، تماماً على الذي أحسن وتفصيلاً لكل شيء وتبياناً، فصدع صلى الله عليه وسلم بأمر من اختار ذاته الطاهرة واصطفاها، وأدى أمانة الله ووفاها، ورأى الخلائق على شفى المتالف فتلافاها، وتتبع أدواء الضلال فشفاها، ومحا معالم الجهل وعفاها، وشاد للخلق في الحق بنياناً، مؤيداً بالمعجزات التي حجحها تقبل وتسلم، فمن جذع لفراقه يتألم، وجمادٍ بصدق نبوته يتكلم، وجيشٍ شكا الظمأ ففجر لديه المعين منه بناناً. وأي معجزةٍ ككتاب الله الذي لا تنقضي عجائبه، فهو اليم والعلوم النافعة كلها مذانبه، وأفق الحق الذي تهدي في ظلمات البر والبحر كواكبه، والحجة البالغة التي أصبحت بين الحق والباطل فرقاناً، فأشرقت الأرض بنور ربها وآياته، وتمت كلمة الله صدقاً وعدلاً، لا مبدل لكلماته، وبلغ ملك أمته ما زوي له من أقطار المعمور وجهاته، حتى عمر من أكناف البسيطة، وأرياف البحار المحيطة، وهاداً وكثباناً، ونقلت كنوز كسرى بعز دعوته الغالبة، وظفرت بفلج الخصام أيدي عزائمها المطالبة، وأصبح إيوان فارس مجر رماح العرب العاربة، وقذفت قيصر من ذوابلها بالشهب الثاقبة، حتى فر عن مدرته الطيبة آئباً بالصفقة الخائبة، وخلصت إلى فسطاط مصر بكتائبها المتعاقبة، فلا تسمع الآذان في إقامتهم إلا إقامةً وأذاناً. ولا دليل أظهر من هذا القطر الأندلسي الغريب الذي خلصت إليه سيوفها أثباج البحار، على بعد المراحل ونزوح الديار، وتكاثف العمالات واختلاف الأمصار، ومنقطع العمارة بأقصى الشمال ومحط السفار، طلعت عليه كلمة الله طلوع النهار، واستوطنته قبائل العرب الأحرار، وأرغمت فيه أنوف الكفار، ضراباً في سبيل الله وطعاناً.
ولما استقام الدين، وتمم معالم الإيمان الرسول الأمين، وظهر الحق المبين، وراق من وجه الملة الحنيفية السمحة الجبين، وأخذ المسالك والمآخذ الإفصاح والتبيين، وتقررت المستندات المعتمدات سنةً وقرآناً، أشعره الوحي بالرحلة عن هذه الدار، والانتقال إلى محل الكرامة ودار القرار، وخيره الملك فاختار الرفيق الأعلى موفقاً إلى كرم الاختيار ووجد صحبه رضي الله عنهم في الاستخلاف بعده والإيثار، حججاً مشرقة الأنوار، أطلقت بالحق يداً وأنطقت بالصدق لساناً، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته، وأسرته الطاهرة وعصابته، وأنصاره وأصهاره وقرابته، الذين كانوا في معاضدته إخواناً، وعلى إعلاء إمرة الحق أعواناً، نجوم الملة وأقمارها، وغيوثها الهأمية وبحارها، وسيوف الله التي لا تنبو شفارها، وأعلام الهدى التي لا تبلى آثارها، ودعائم الدين التي رفعت منه على البر والتقوى أركاناً.
وحيا الله وجوه حي الأنصار بالنعيم والنضرة، أولي البأس عند الحفيظة والعفو عند القدرة، والراضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير ويذهبوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فنعمت المنقبة والأثرة، الحائزون ببيعة الرضوان فضلاً من الله ورضواناً. ووزراؤه وظهراؤه في كل أمر، وخالصته يوم أحد وبدر، لم يزالوا صدراً في كل قلب وقلباً في كل صدر يصلون دونه كل جمر، ويفدونه بنفوسهم في كل سر وجهر، ويعملون في إعلاء دينه بيضاً عضاباً وسمراً لداناً، صلاةً لا تزال سحائبها ثرة، وتحيةً دائمةً مستمرة، ما لهجت الألسن بثنائهم، ووقفت المفاخر على عليائهم، وتعلمت المواهب من آلائهم، وقصرت المحامد على مسمياتهم وأسمائهم، وكان حبهم على الفوز بالجنة ضماناً.
ونسألك اللهم لهذا الأمر النصري الذي سببه بسببهم موصول، وهم لفروعه السامية أصول، فيالها من نصول خلفتها نصول، أنجزت وعد النصر وهو ممطول، وأحيت ربوع الإيمان وهي طلول، نصراً عزيزاً وفتحاً مبيناً، وتأييداً على أعدائك وتمكيناً، وملكاً يبقى في الأعقاب وأعقاب الأعقاب وسلطاناً. وأعنا اللهم على ما أوجبت له من مفروض الطاعة، وتأدية الحق بجهد الاستطاعة، واعصمنا بإيالته العادلة من الإضاعة، واحملنا من مرضاته على سنن السنة والجماعة، واجعلها كلمةً باقيةً في عقبة إلى قيام الساعة {واعفُ عَنَّا واغفِرْ لَنَا وارْحَمْنا أنْتَ مَوْلانا}.
أما بعدما افتتح به من تحميد الله وتمجيده، والثناء الذي تتعطر الأندية بترديده، فإن من المشهور الذي يعضده الوجود ويؤيده، والمعلوم الذي هو كالشمس ضل من ينكره أو يجحده، والذائع بكل قطرٍ ترويه رواة الأنباء وتسنده، ما عليه هذا الملك النصري الحمى، الأنصاري المنتمى، الذي يصيب شاكلة الحق إذا رمى، ويعم العباد والبلاد غيثه مهما همى، من أصالة الأعراق، وكرم الأخلاق، والفضل الباهر الإشراق، والجهاد الذي هو سمر الركب وحديث الرفاق، وإن قومه الملوك الكرام إن فوخروا بنسبٍ ذكروا سعد بن عبادة ومجده، أو كوثروا بعددٍ غلبوا بالله وحده، أو استنصروا فرجوا كل شدة، واستظهروا من عزهم الموهوب، وصبرهم على الخطوب، بكل عدد وعدة، دارهم الثغر الأقصى ونعمت الدار؟! وشعارهم لا غالب إلا الله ونعم الشعار! زهادٌ إذا ذكر الدين، أسودٌ إذا حميت الميادين، جبالٌ إذا زحفت الصفوف، بدورٌ إذا أطلمت الزحوف، غيوثٌ إذا منع المعروف، أفرادٌ إذا ذكرت الألوف، إن بويعوا فالملائكة وفود وحملة العلم وحملة السلاح شهود، وإن ولدوا فالسيوف تمائم والسروج مهود، وإن أصحروا للعدو فالظلال بنود، وجنود السبع الطباق جنود، وإن أظلم الليل أسهروا جفونهم في حياطة المسلمين والجفون رقود.
وإن هذا القطر الذي انتهى سيل الفتح الأول إلى ناحيته، وأحيلت قداح الفوز بالدعوة الحنيفية على الأقطار فأخذ الإسلام بناصيته، كان من فتحه الأول ما قد علم، حسب ما سطر ورسم، وإن موسى بن نصير وفتاه، حل من فرضة مجازه محل موسى وفتاه، وحل الإسلام منه دار قرار، وخطةً خليقةً بارتيادٍ واختيار، وبلداً لا يحصى خيره، ولا يفضله بشيءٍ من المزية ما عدا الحرمين غيره، وامتدت الأيام حتى تأنس العدو لروعته، وخف عليه ما كان من صرعته، وقدح فأورى، وأعضل داؤه واستشرى، وصارت الصغرى التي كانت الكبرى، فلولا أن الله عمد الدين منهم بالعمدة الوثيقة، حماة الحقيقة، وأئمة الخليقة، وسلالة مفتتحي اليمامة ومفتتحي الحديقة، لأجهز النصل، واجثث من الدين الفرع والأصل، لكنهم انتدبوا إلى إمساك الدين بها انتداباً، ووصلوا للإسلام أسباباً، وتنأولها منهم صقر قبيل الخزرج، ذو الحسام المضرج، والثناء المؤرج، أبو عبد الله الغالب بالله محمد بن يوسف بن نصر، أمير المسلمين، المنتدب لإقامة سنة سيد المرسلين، قدوة الملوك المجاهدين، نضر الله وجهه وتقبل جهاده، وشكر دفاعه عن حوزة الإسلام وجلاده فأقشعت الظلمة، وتماسكت الأمة، وكف العدو وأقصر، ورأى الإسلام بمن استنصر، واستبصر في الطاعة من استبصر، وهبت بنصر الله العزائم، وكثرت على العدو الهزائم، وتوارثوا ملكها ولداً عن أب، مستندين إلى عدل وبذل وبسالة وجلالة وحسبن، تتضح في أفق الجلال نجوم سيرهم هاديةً للسائرين، وتفرق من سطواتهم في الله أسود العرين، إلى أن قام بالأمر وسطى سلكهم، وبركة ملكهم، الخليفة الواجب الطاعة بالحق على الخلق، الشهير الجلالة والبسالة في الغرب والشرق، أمير المسلمين بواجب الحق، ساحب أذيال العفاف والطهارة، السعيد الإيالة والإمارة، البعيد الغارة، من ذعر العدو لبأس حسامه، وذخر الفتح الهني لأيامه، صدر الملوك المجاهدين، وكبير الخلفاء العادلين، البعيد المدى في حماية الدين، السعيد الشهيد، أبو الوليد، ابن المولى الهمام الأوحد، الرفيع الممجد، الطاهر الظاهر الأعلى، الرئيس الكبير الجليل المقدس الأرضى، أبي سعيد بن أبي الوليد، بن نصر، فأحيا رحمه الله معالم الكتاب والسنة، وجلى بنور عدله غياهب الدجنة، وأعز الإسلام وحماه، ورمى ثغرة الكفر فأصماه، قدس الله روحه الطيب، وسقى لحده من الرحمة الغمام الصيب، وأورث الملك الجهادي من ولده خير ملك قبلت منه كف، واستدار به موكبٌ للجهاد ملتف، وشمخ بخدمته أنف، وسما إلى مشاهدته طرف، وتأرج من ذكره عرف، وجرى إلى بابه حرف، مولانا الملك الهمام، الخليفة الإمام، من أشرق بنور إيالته الإسلام، وتشرفت بوجوده الليالي والأيام، بدر الملك وشمسه، وسر الزمان الذي قصر عن يومه أمسه، الذي اشتهر عدله، وبهر فضله، وظهرت عليه عناية ربه، وكان الخضوع له في سلمه وحربه، مولانا أمير المسلمين، وقدوة الملوك المجاهدين والأئمة العارفين، السعيد، الشهيد، الطاهر، الظاهر، الأوحد الهمام، الخليفة الإمام، أبو الحجاج رفع الله درجته في أوليائه، وحشره مع الذين أنعم الله عليهم من أنبيائه وشهدائه، فوضحت المسالك وبانت، وأشرقت المعاهد وازدانت، وشمل الصنع الإلهي، واللطف الخفي، أقطار هذه الأمة حيث كانت. ولما اختار الله له ما عنده، وبلغ الأمد الذي قدره سبحانه لحياته وحده، وقبضه إليه مستغفراً لذنبه، مطمئناً في الحالة التي أقرب ما يكون العبد فيها من ربه، كأنما تأهب للشهادة فاختار مكانها وزمانها، وطهر بالصوم نفسه التي كرم الله شانها، وطيب روحها وريحانها، فوقعت آراء أرباب الشورى التي تصح الإمامة باتفاقها، وتنعقد بعقد ميثاقها، من أعلام العلم بقاعدة ملكه غرناطة حرسها الله تعالى التي غيرها لها تبع، وحماة الإسلام الذين في آرائهم للدين والدنيا منتفع، وخلصان الثقات، ووجوه الطبقات، على مبايعة وارث ملكه بحقه، الحائز في ميدان الكمال وإحراز ما للإمامة من الشروط والخلال خصل سبقه، كبير ولده، وسابق أمده، ووارث ملكه، ووسطى سلكه، وعماد فسطاطه، وبدر الهالة من بساطه، مولانا قمر العلياء، ودرة الخلفاء، وفرع الشجرة الشماء التي أصلها ثابتٌ وفرعها في السماء، الذي ظهرت عليه مخايل الملك ناشئاً ووليداً، واستشعرت الأقطار به وهو في المهد أماناً وتمهيداً، واستشرف الدين الحنيف فأتلع جيداً، واستأنف شباباً جديداً، ناصر الحق، وغياث الخلق، الذي تميز بالسكينة والوقار، والحياء المنسدل الأستار، والبسالة المرهوبة الشفار، والجود المنسكب الأمطار، والعدل المشرق الأنوار، وجمع الله فيه شروط الملك والاختيار، مولانا، وعمدة ديننا ودنيانا، السلطان الفاضل، والإمام العادل، والهمام الباسل، الكريم الشمائل، شمس الملك وبدره، وعين الزمان وصدره، أمير المسلمين، وقرة أعين المؤمنين، أبو عبد الله، وصل الله أسباب سعده، كما حلى أجياد المنابر بالدعاء لمجده، وجعل جنود السماء من جنده، ونصره بنصره العزيز فما النصر إلا من عنده، ورأوا أن قد ظفرت بالعروة الوثقى أيديهم، وأمن في ظل الله رائحهم وغاديهم، ودلت على حسن الخواتم مباديهم، فتبادروا وانثالوا، وتبختروا في ملابس الأمن واختالوا، وهبوا إلى بيعته تطير بهم أجنحة السرور، ويعلن انطلاق وجوههم بانشراح الصدور، واجتمع منهم طوائف الخاصة والجمهور، ما بين الشريف والمشروف، والرؤساء أولي المنصب المعروف، وحملة العلم وحملة السيوف، والأمناء ومن لديهم من الألوف، وسائر الكافة أولي البدار لمثلها والخفوف. فعقدوا له البيعة الوثيقة الأساس، السعيدة بفضل الله على الناس، البريء عهدها من الارتياب والالتباس، الحائزة شروط الكمال، الماحية بنور البيان ظلم الإشكال، الضمينة حسن العقبى ونجح المآل، على ما بويع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن له من الصحابة والآل، وعلى السمع والطاعة، وملازمة السنة والجماعة، فأيديهم في السلم والحرب ردءٌ ليده، وطاعتهم إليه خالصةٌ في يومه وغده، وأهواؤهم متفقة في حالي الشدة والرخاء، وعقودهم محفوظةٌ على تداول السراء والضراء. أشهدوا عليها الله وكفى بالله شهيداً، وأعطوا صفقات أيمانهم تثبيتاً للوفاء بها وتأكيداً، وجعلوا منها في أعناقهم ميثاقاً وثيقاً وعهداً شديداً. والله عز وجل يقول: {فمَنْ نكَثَ فإنَّما ينْكُثُ على نَفْسِهِ ومَنْ أوْفى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أجْراً عَظِيماً}. ومن أصدق من الله وعداً أو وعيداً؟ وهم قد بسطوا أيديهم يستنزلون رحمة الله بالإخلاص والإنابة، وصرفوا وجوههم إلى من أمرهم بالدعاء ووعدهم بالإجابة، يسألونه خير ما يقضيه، والسير على ما يرضيه. اباً جديداً، ناصر الحق، وغياث الخلق، الذي تميز بالسكينة والوقار، والحياء المنسدل الأستار، والبسالة المرهوبة الشفار، والجود المنسكب الأمطار، والعدل المشرق الأنوار، وجمع الله فيه شروط الملك والاختيار، مولانا، وعمدة ديننا ودنيانا، السلطان الفاضل، والإمام العادل، والهمام الباسل، الكريم الشمائل، شمس الملك وبدره، وعين الزمان وصدره، أمير المسلمين، وقرة أعين المؤمنين، أبو عبد الله، وصل الله أسباب سعده، كما حلى أجياد المنابر بالدعاء لمجده، وجعل جنود السماء من جنده، ونصره بنصره العزيز فما النصر إلا من عنده، ورأوا أن قد ظفرت بالعروة الوثقى أيديهم، وأمن في ظل الله رائحهم وغاديهم، ودلت على حسن الخواتم مباديهم، فتبادروا وانثالوا، وتبختروا في ملابس الأمن واختالوا، وهبوا إلى بيعته تطير بهم أجنحة السرور، ويعلن انطلاق وجوههم بانشراح الصدور، واجتمع منهم طوائف الخاصة والجمهور، ما بين الشريف والمشروف، والرؤساء أولي المنصب المعروف، وحملة العلم وحملة السيوف، والأمناء ومن لديهم من الألوف، وسائر الكافة أولي البدار لمثلها والخفوف. فعقدوا له البيعة الوثيقة الأساس، السعيدة بفضل الله على الناس، البريء عهدها من الارتياب والالتباس، الحائزة شروط الكمال، الماحية بنور البيان ظلم الإشكال، الضمينة حسن العقبى ونجح المآل، على ما بويع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن له من الصحابة والآل، وعلى السمع والطاعة، وملازمة السنة والجماعة، فأيديهم في السلم والحرب ردءٌ ليده، وطاعتهم إليه خالصةٌ في يومه وغده، وأهواؤهم متفقة في حالي الشدة والرخاء، وعقودهم محفوظةٌ على تداول السراء والضراء. أشهدوا عليها الله وكفى بالله شهيداً، وأعطوا صفقات أيمانهم تثبيتاً للوفاء بها وتأكيداً، وجعلوا منها في أعناقهم ميثاقاً وثيقاً وعهداً شديداً. والله عز وجل يقول: {فمَنْ نكَثَ فإنَّما ينْكُثُ على نَفْسِهِ ومَنْ أوْفى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أجْراً عَظِيماً}. ومن أصدق من الله وعداً أو وعيداً؟ وهم قد بسطوا أيديهم يستنزلون رحمة الله بالإخلاص والإنابة، وصرفوا وجوههم إلى من أمرهم بالدعاء ووعدهم بالإجابة، يسألونه خير ما يقضيه، والسير على ما يرضيه.
اللهم بابك عند تقلب الأحوال عرفنا، ومن بحر نعمك العميمة أغترفنا، وعفوك ستر من عيوبنا كل ما اجترحنا السيئات واقترفنا، ومن فضلك أغنيتنا، وبعينك التي لا تنام حرستنا وحميتنا فانصر حينا وارحم ميتنا وأوزعنا شكر ما أوليتنا، واجعل لنا الخير والخيرة فيما إليه هديتنا.
اللهم إن قطرنا من مادة الإسلام بعيد، وقد أحدق بنا بحرٌ زاخرٌ وعدوٌ شديد، وفينا أيم وضعيف وهرمٌ ووليد وأنت مولانا ونحن عبيد. اللهم من بايعناه في هذا العقد فأسعدنا بمبايعته وطاعته، وكن له حيث لا يكون لنفسه بعد استنفاد جهده في التحفظ واستطاعته، وكف عنه كف عدوك وعدوه، كلما هبت به رياح طماعته، يا من يفرده العبد بضراعته، ويعوذ بحفظه من إضاعته.
اللهم، أد عنا حقه، فإنا لا نقوى على أدائه، وتول عنا شكر ما حمدناه من سيرته وسيرة آبائه، واحمله من توفيقك على سوائه.
اللهم إنا إليه ناظرون، وعن أمره صادرون، ولإنجاز وعدك في نصر من ينصرك منتظرون، فأعنه على ما قلدته، وأنجز لديننا على يديه ما وعدته، فما فقد شيئاً من وجدك، ولا خاب من قصدك، ولا ضل من اعتمدك، آمين آمين يا رب العالمين.
وكتب الملأ المذكورون أسماءهم بخطوط أيديهم في هذا الكتاب، شاهدةً عليهم بما التزموه دنيا وديناً، وسلكوا منه سبيلاً مبيناً. وذلك في الثاني والعشرين لشوال من عام خمسةٍ وخمسين وسبعمائة.
قلت: وقد أخبر آخر هذه البيعة بأن المبايعين للسلطان تؤخذ خطوط أيديهم في كتاب البيعة شاهدة عليهم بما بايعوا عليه. والظاهر أن كتابة البيعة عندهم كما في مكاتباتهم في طومارٍ واحدٍ كبيرٍ متضايق السطور، وأنه ليس له طرة بأعلاه كما في كتابة المصريين.